سورة التوبة - تفسير تفسير الماوردي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (التوبة)


        


قوله عز وجل {ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ} الآية، وفي السكينة ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنها الرحمة، قاله علي بن عيسى.
والثاني: أنها الأمن والطمأنينة.
والثالث: أنها الوقار، قاله الحسن.
{وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا} فيه وجهان:
أحدهما: الملائكة.
والثاني: أنه تكثيرهم في أعين أعدائهم، وهو محتمل.
{وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ} فيه وجهان:
أحدهما: بالخوف والحذر.
والثاني: بالقتل والسبي.


قوله عز وجل {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخرِ} فإن قيل: فأهل الكتاب قد آمنوا بالله واليوم الآخر فكيف قال ذلك فيهم،؟
ففيه جوابان:
أحدهما: أن إقرارهم باليوم الآخر يوجب الإقرار بجميع حقوقه، فكانوا بترك الإقرار بحقوقه كمن لا يقرّ به.
والثاني: أنه ذمّهم ذم من لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر للكفر بنعمته، وهم في الذم بالكفر كغيرهم.
{وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} فيه وجهان:
أحدهما: أنه ما أمر الله سبحانه وتعالى بنسخه من شرائعهم.
والثاني: ما أحله لهم وحرمه عليهم.
{وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِ} والحق هنا هو الله تعالى، وفي المراد بدينه في هذا الموضع وجهان:
أحدهما: العمل بما في التوراة من اتباع الرسول، قاله الكلبي.
والثاني: الدخول في دين الإسلام لأنه ناسخ لما سواه من الأديان، وهو قول الجمهور.
{مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ} فيه وجهان:
أحدهما: يعني من آباء الذين أوتوا الكتاب.
الثاني: من الذين أوتوا الكتاب بين أظهرهم لأنه في اتباعه كآبائهم.
{حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ} فيه تأويلان:
أحدهما: حتى يضمنوا الجزية وهو قول الشافعي لأنه يرى أن الجزية تجب انقضاء الحول وتؤخذ معه.
والثاني: حتى يدفعوا الجزية.
وفي الجزية وجهان:
أحدهما: أنها من الأسماء المجملة لا يوفق على علمها إلا بالبيان.
والثاني: أنها من الأسماء العامة التي يجب إجراؤها على عمومها إلا ما خص بالدليل.
ثم قال تعالى {عَن يَدٍ} وفيه أربعة تأويلات:
أحدها: عن غنى وقدرة.
والثاني: أنها من عطاء لا يقابله جزاء، قاله أبو عبيدة.
والثالث: أن يروا أن لنا في أخذها منهم يداً عليهم بحقن دمائهم بها.
والرابع: يؤدونها بأيديهم ولا ينفذونها مع رسلهم كما يفعله المتكبرون.
{وَهُمْ صَاغِرُونَ} فيه خمسة أقاويل:
أحدها: أن يكونوا قياماً والآخذ لها جالساً، قاله عكرمة.
والثاني: أن يمشوا بها وهم كارهون، قاله ابن عباس.
والثالث: أن يكونوا أذلاء مقهورين، قاله الطبري.
والرابع: أن دفعها هو الصَّغار بعينه.
والخامس: أن الصغار أن تجري عليهم أحكام الإسلام، قاله الشافعي.


قوله عز وجل {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيرٌ ابْنُ اللَّهِ} الآية. أما قول اليهود ذلك فسببه أن بختنصر لما أخرب بيت المقدس أحرق التوراة حتى لم يبق بأيديهم شيء منها، ولم يكونوا يحفظونها بقلوبهم، فحزنوا لفقدها وسألوا الله تعالى ردها عليهم، فقذفها الله في قلب عزير، فحفظها وقرأها عليهم فعرفوها فلأجل ذلك قالوا إنه ابن الله.
واختلف فيمن قال ذلك على ثلاثة أقاويل:
أحدها: أن ذلك كان قول جميعهم، وهو مروي عن ابن عباس.
والثاني: أنه قول طائفة من سلفهم.
والثالث: أنه قول جماعة ممن كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
واختلف فيهم على قولين:
أحدهما: أنه فنحاص وحده، ذكر ذلك عبيد بن عمير وابن جريج.
والثاني: أنهم جماعة وهم سلام ابن مشكم ونعمان بن أبي أوفى وشاس بن قيس ومالك بن الصيف، وهذا مروي عن ابن عباس.
فإن قيل: فإذا كان ذلك قول بعضهم فلم أضيف إلى جميعهم؟
قيل: لأن من لم يقله عند نزول القرآن لم ينكره، فلذلك أضيف إليهم إضافة جمع وإن تلفظ به بعضهم.
{وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} وهذا قول جميعهم، واختلف في سبب قولهم لذلك على قولين:
أحدهما: أنه لما خلق من غير ذكر من البشر قالوا إنه ابن الله، تعالى الله عن ذلك.
الثاني: أنهم قالوا ذلك لأجل من أحياه من الموتى وأبرأه من المرضى.
{ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْواهِهِمْ} معنى ذلك: وإن كانت الأقوال كلها من الأفواه: أنه لا يقترن به دليل ولا يعضده برهان، فصار قولاً لا يتجاوز الفم فلذلك خص به.
{يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ من قبلُ} أي يشابهون، مأخوذ من قولهم امرأة ضهياء إذا لم تحض تشبيهاً بالرجال ومنه ما جاء في الحديث: «أَجرَأُ النَّاسِ عَلى اللَّهِ تَعَالَى الَّذِينَ يُضَاهِئُونَ خَلْقَهُ» أي يشبهون به.
وفيهم ثلاثة أقاويل:
أحدها: أن قولهم ذلك يضاهي قول عبدة الأوثان في اللات والعزى ومناة وأن الملائكة بنات الله، قاله ابن عباس وقتادة.
والثاني: أن قول النصارى المسيح ابن الله يضاهي قول اليهود عزير ابن الله، قاله الطبري.
والثالث: أنهم في تقليد أسلافهم يضاهون قول من تقدمهم، قاله الزجاج.
{قَاتََلَهُمُ اللَّهُ} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: معناه لعنهم الله، قاله ابن عباس ومنه قول عبيد بن الأبرص:
قاتلها الله تلحاني وقد علمت *** أني لنفسي إفسادي وإصلاحي
والثاني: معناه قتلهم الله، قاله بعض أهل العربية.
والثالث: أن الله تعالى فيما أعده لعذابهم وبينه من عداوتهم التي هي في مقابلة عصيانهم وكفرهم كأنه مقاتل لهم.
{أَنَّى يُؤْفَكُونَ} معناه كيف يُصرفون عن الحق إلى الإفك وهو الكذب.
قوله عز وجل {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ} أما الأحبار منهم العلماء، واحدهم حَبْر سمي بذلك لأنه يحبر المعاني أي يحسنها بالبيان عنها.
وأما الرهبان فجمع راهب، مأخوذ من رهبة الله تعالى وخشيته، غير أنه صار بكثرة الاستعمال يتناول نُسّاك النصارى.
وقوله {أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ} يعني آلهة لقبولهم منهم تحريم ما يحرمونه عليهم وتحليل ما يحلونه لهم، فلذلك صاروا لهم كالأرباب وإن لم يقولوا إنهم أرباب، وقد روي مثل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8